الجانب الآخر لجائحة كورونا: ربّ ضارة نافعة!
صحيح أن جائحة كورونا أصابت اقتصادات العالم بأزمة مفتوحة جرّاء تداعيات الإقفال والحجر، لكنّ الفايروس الذي أبقى الناس في منازلهم، وقلّل من مصاريفهم اليومية ومنعهم من شراء غير المواد الغذائية الضرورية، وأجهض كل مشاريعهم، ومن بينها الإنجاب، ساهم في ضبط الترف الحاصل في بعض المجتمعات، وخصوصًا العربية، ومنها لبنان.
فلنتخيّل لو لم تحل الجائحة: هل تكفي الرواتب الشهرية حاليًا للبنانيين الذين اعتادوا على نمط استهلاكي ومعيشي واجتماعي معيّن طيلة عقود ماضية؟ بالكاد تلبّي حاجات الناس الأساسية لا أكثر ولا أقل، لتأمين استمرارية الحياة. هل يُمكن لموظف لبناني يحصل على دخل متوسط أن يؤمّن سوى الغذاء لعائلته في الوقت الحالي؟ الجواب: لا. بالتأكيد لن يستطيع شراء الحاجيات غير الغذائية: لا الملبوسات، ولا استبدال زيوت سيارته مثلًا، ولا تأمين قطع لها أو مكابح أو عجلات. بالكاد يستطيع تزويدها بالمحروقات التي ترتفع أسعارها أسبوعيًا. لن يستطيع أيضا تأمين رفاهية الحياة لعائلته بكلّ الاتجاهات: ولّى زمن الأسفار.
صارت الطبقة الميسورة نسبيًا في لبنان عاجزة عن المضي في ذات نمط الحياة المجتمعية، فكيف بحال الطبقات المسحوقة ماليًا؟.
أتى فايروس كورونا ليفرض على اللّبنانيين الحجر في المنازل، من دون خروج اعتادوا عليه لا إلى مطاعم ولا إلى مقاه ولا إلى أي مكان للترفيه أو قضاء يوم العطلة الأسبوعية. مما يعني ألّا مصاريف في الأسواق، ولا في أيّ مكان أو اتجاه آخر.
لكن ماذا لو تقتحم كورونا حياتنا؟ لكان وجد اللبنانيون أنفسهم عاجزين عن تأمين متطلباتهم التي اعتادوا عليها. سيجد المواطنون أنّ ليس بمقدور الأغلبية الساحقة منهم أن تزور مطعمًا أو مقهى لا أسبوعيا ولا شهريًا، ولا بإمكانهم التسوّق لشراء حاجياتهم أو ملبوساتهم أو بضائع كانوا يستخدمونها منذ ما قبل الأزمة. ليس بوسعهم استعمال السيارات للتجوّل بشكل شبه يومي: قد تقلّ زياراتهم الأسبوعية أو الشهرية إلى قراهم وبلداتهم البعيدة عن العاصمة. لا قدرة لمعظم العائلات على فتح منزلين، ولا صرف المدخرات على مصاريف إضافية.
كل ذلك يعني أنّ فايروس كورونا جمّد تلك الخطوات وأطاح بمشاريع وقلّل من مصاريف مالية يومية.
جاءت الجائحة تترافق مع تصاعد الأزمة الاقتصادية لتخفّف من مصاريف المواطنين. لم يعد هناك من إمكانية لسحب قروض مصرفية كانت تؤازر مرحليًا اللّبنانيين في تأمين متطلباتهم. ولا مجال لعودة الحياة إلى سابق عهدها في هذا البلد الذي يراوح في أزمة لن تنتشله منها حكومة جديدة مهما كان شكلها وعملها، إلّا بعد سنين طويلة من مكافحة الفساد وتنمية القطاعات الإنتاجية وتخفيف الاستيراد والاعتماد على الذات.
آن أوان مصارحة اللّبنانيين لأنفسهم بعدما حلّت جائحة كورونا ونقلت معظم الناس من الترف اليومي إلى الواقع الصعب. لذا، في حال غاب الفايروس عن المجتمع اللّبناني فهو لن يعود إلى سابق عهده بسبب الأزمة الاقتصادية التي تحتاج إلى تضافر كامل طبقات المجتمع للخروج نحو نمط إنتاجي ومعيشي جديد، خصوصًا أنّ أزمة ارتفاع سعر الدولار أمام العملة الوطنية فرضت مغادرة العدد الأكبر من اليد الأجنبية العاملة في لبنان: هل يتواضع اللّبنانيون للعمل في مهن ومصالح غادروها منذ زمن؟ خصوصًا أنّ قطاعات خدماتية ستصاب بنكسة جراء تبدل الأولويات اللّبنانية وغياب السياحة العربية والأجنبية إلى لبنان نهائيًا. فلننتظر ونرصد ما تحمله الأيام المقبلة معها بعد تراجع تداعيات كورونا.
عباس ضاهر